ليلى مواطنة عادية (45 عاما )
ينتهي جواز سفرها تحتاج لتجديده .. تتصل هاتفيا بأخيها الأكبر( 50 عاما )
يذهب معها إلى الجوازات . يفاجئهما العسكري ( الصغير ) خلف نافذة الزجاج (
الكبيرة ) بطلب مجموعة ( طريفة ) من الأوراق .. كصك الطلاق صك وفاة الوالد
.. صك وصاية الأخ على أخته ( لاحظ أن الأخ نفسه هو من يقدم لها طلب تجديد
الجواز ) .. تسأل عن سبب إحضار صك الطلاق .. يجيب رجل القانون : أنت ليس
لك أهلية على نفسك فلماذا تتحدثين ؟ .. ولا داعي لحضورك أصلا .. المرة
المقبلة يأتي محرمك فقط .. ثم يطلب ورقة أخرى تثبت أنها فعلا مطلقة ..
تسأله : لديك ما يثبت أني مطلقة في الجواز القديم .. يجيب ( بنفس .. ) :
وما أدراني أنك لم تتزوجي مرة أخرى .. هنا ( من منطلق تقديرها الشخصي
كونها إنسانا عاقلا بالغا .. تحاول أن تتحدث مع العسكري ( الصغير ) في
غرفته الصغيرة التي تصدر فيها الأوامر بآلية دون فهم ودون تمييز بمن
يخاطبه كبيرا أو صغيرا .. لكن لا جدوى فعليها أن تقف مستترة بثوب أخيها ..
وأن تتقبل ضآلتها وتبتلع ضيقها وغضبها وإلا لاستطاع إيجاد عذر لتعطيل
إنهاء أوراقها.
( ليس لك أهلية ) عبارة تعتصر استقامة مبدأ إنساني يقول إن الأهلية هي
قدرة الإنسان على اتخاذ قرار صائب وتحمل مسؤوليته .. الأوراق حتما ستنتهي
وسيصدر جواز جديد لإنسانة في العقد الرابع من عمرها .. ومازالت تعامل
كأنها قاصر .. لكن ماالذي سينهي إحساسها بالضآلة !! .. ماالذي سيجعلها
تفهم بأنها رغم بلوغها هذا العمر مازالت إنسانة لا أهلية لها.
ليلى ام ربت شابين يافعين لهما فكر ودور في مجتمعهما .. وحدها كانت تراجع
أوراقهما في الجهات الحكومية .. وحدها تتابعهما في المدارس .. وحدها
استطاعت أن تتابع أمورها المالية وما يتبع ذلك من مراجعات .. وفي كل مرة
تصطدم فيها بعائق ذكوري ومجتمعي يتم التغافل عن أهليتها كبالغ عاقل ..
وتضطر للتعامل مع الحياة من نافذة رجل ( معقب .. أخ ) .. هناك فقط يتم
التجرؤ على حقها في الاحترام من مجرد ممثل كل أهميته أنه موظف يتحكم في
تمرير بعض الأوراق .. فمن الذي رباه في الأساس ليضع المرأة في هذا القالب
؟ .. أهي قواعد نصت بجانب الأحكام القانونية شكلا لطريقة التعامل ؟ .. أم
هي تبعية مجتمع معاق بنظرته القاصرة للمرأة ؟ .. أم هي امرأة جاهلة ربته
بهذه المفاهيم .. فلا تبالي إن كان سلوكه تجاه أخته أو زوجته .. أو حتى
أمه قد يكون انتقاصا لحقوق المرأة .. مادامت رجولته في انتفاخ مستمر
يتناسب وهيئتيه الاجتماعية والذكورية ؟
المصيبة أنه حتى إن وجد مجموعة مثقفة واعية تفهم وتحترم كينونة المرأة ..
يصغر وعيهم في أقل المواقف التي تصطدم بالمجتمع الذي يظهرهم بمظهر الضعف
إن سمحوا للمرأة بممارسة دور المشاركة وليس التابعة.
قصة أخرى بنفس الرائحة المؤلمة : تذهب الفتاة مع والدتها إلى المطار للسفر
للخارج بإذن خطي من الوالد الذي يقوم بمهمة عمل خارج البلاد .. وعسكري آخر
يقول بنفس اللهجة السافرة : كيف أتأكد من أن هذه الورقة صحيحة ؟ .. ( رغم
التوقيع الرسمي عليها ) .. ويصر على عدم تمريرها .. وعندما تحاول التحدث
معه بالمنطق راجية أن يتفهم أن الطائرة على وشك الإقلاع .. يجد لها حلا
عبقريا : ابحثي عن أي سعودي يضمنك .. تتلفت يمنة ويسرة حيث لاترى سوى
مجموعة من عساكر آخرين يستمتعون باستخفاف بهذا المنظر المسلي في انتظار
ردة فعلها .. في النهاية تفوتهما الطائرة . ( قصة واقعية كسابقتها )
أحيانا ألوم المجتمع وأحيانا القانون وأحيانا أقف حائرة كيف لي أن أمنع
صديقة لي قررت الهجرة لأنها استطاعت أن تكتسب الاحترام كونها إنسانة بغض
النظر عن جنسها امرأة أم رجلا خارج وطنها ؟ .. كيف لي أن أقنعها بالعكس
وأنا نفسي أتألم بأن المرأة التي كان الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه
عليه يناديها باسمها ويفاخر بها ويثق في قدرتها على الإفتاء وعلى مساعدة
الجرحى في الحرب .. هي ذات المرأة الآن التي طلاها الزمن بهذه المهانة
المغلفة بورق ( الحفاظ عليها ) !!
حكاية واقعية أخرى : سيدة في الستين من عمرها تذهب إلى المطار مع ثلاثة من
أبنائها تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والأربعين .. وبرفقة زوجاتهم
وأطفالهم بهدف السفر للسياحة في إحدى الدول العربية .. توقفها نفس
الإجراءات .. تأمل الأسئلة :
أين ولي أمرك ؟ .. والحديث موجه للأم ذات الستين عاما .. فتقول إنه متوفى
.. فيسألها من جديد : اين الوصي الشرعي أو صك الولاية ؟ .. ثم يمنعها من
السفر لأنها لا تملك تلك الأوراق الثبوتية وهي في الستين من عمرها وبصحبة
أبنائها البالغين .
لعلك الآن تطالبني بأن أفهم معنى تلك القوانين التي تطلق دون وضع
استثناءات .. أو نقاط مرونة يمكن فيها تداول المواقف الآنية بحكمة .. ولا
أدري لماذا تصر الدوائر الحكومية على أن تعين موظفيها على أساس ( عقول
الأختام ) الذي يلصق كلمة ( لا ) على أي ورقة أو موقف لم يبرمج على
التعامل معه ؟ .. في الختام : ما رأي دائرة الجوازات ممثلة في أكبر
مسئوليها لو حدث ذلك مع إحدى قريباته أو واحدة من أفراد أهله ؟ .. وهل
سنأمل في تعديل تلك القوانين ( ... ) قريبا ؟ .. أليست هناك قنوات للتحاور
بين المسئولين وأصحاب الأمر في الدولة للتواؤم مع قصور بعض بنود القانون ؟
.. أتمنى من تلك القناة أن أسمع صوت مسئول .. يبرر لي دون أن يحاول
الاستخفاف بعقلي وعقول الآخرين